فائدة :
شرح حديث الفرار من الفتن من شرح ابن رجب على البخاري
....
وروي عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . خرجه الحاكم (7 ) .
وروي عن طاوس مرسلا . وخرج الحاكم – أيضا – من حديث أبي هريرة مرفوعا : " أظلتكم فتن كقطع الليل المظلم أنجى الناس منها: صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمها ، ورجل من وراء الدروب بعنان فرسه يأكل من فيء سيفه " ( 8) . وقد وقفه بعضهم .
فقوله صلى الله عليه وسلم " يوشك " تقريب منه للفتنة ، وقد وقع ذلك في زمن عثمان كما أخبر به صلى الله عليه وسلم وهذا من جملة أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم .
وإنما كان الغنم خير مال المسلم – حينئذ - ؛ لأن المعتزل عن الناس بالغنم يأكل من لحومها ونتاجها ويشرب من ألبانها ويستمتع بأصوافها باللبس وغيره ، وهي ترعى الكلأ في الجبال وترد المياه ؛ وهذه المنافع والمرافق لا توجد في غير الغنم ؛ ولهذا قال : " يتبع بها شعف الجبال " وهي رءوسها وأعاليها ؛ فإنها تعصم من لجأ إليها من عدو . و" مواقع القطر " لأنه يجد فيها الكلأ والماء فيشرب منها ويسقي غنمه وترعى غنمه من الكلأ . وفي " مسند البزار " ، عن مخول البهزي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " سيأتي على الناس زمان فيه غنم بين السجدتين ( 10) تأكل من الشجر وترد الماء ، يأكل صاحبها من رسلها ويشرب من ألبانها ويلبس من أشعارها – أو قال من أصوافها _ ، والفتن ترتكس بين جراثيم العرب " (11 ) .
وروي هذا المعنى عن عبادة بن الصامت من قوله .
وواحد الجراثيم : جرثومة ؛ وهي أصل الشيء .
وفي هذا دلالة ‘على أن من خرج من الأمصار فإنه يخرج معه بزاد وما يقتات منه .
وقوله : يفر بدينه من الفتن " يعني :
يهرب خشية على دينه من الوقوع في الفتن ؛
فإن من خالط الفتن ، وأهل القتال على الملك لم يسلم دينه من الإثم إما بقتل معصوم أو أخذ مال معصوم أو المساعدة على ذلك بقول و نحوه
وكذلك لو غلب على الناس من يدعوهم إلى الدخول في كفر أو معصية حسن الفرار منه .
وقد مدح الله من فر بدينه خشية الفتنة عليه فقال – حكاية عن أصحاب الكهف _ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ; [ الكهف : 16] .
وروى عروة ، عن كرز الخزاعي قال : سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي : هل لهذا الإسلام من منتهى ؟ قال : " من يرد الله به خيرا من عرب أو عجم أدخله عليه " قال : ثم ماذا ؟ قال : " تقع فتن كالظلل " قال : كلا يا نبي الله ، قال : " بلى ، والذي نفسي بيده لتعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض وخير الناس يومئذ : رجل يتقي ربه ويدع الناس من شره " (12 ) .
الأساود : جمع أسود ، وهو أخبث الحيات وأعظمها .
والصب : جمع صبوب ، على أن أصله : صبب كرسول ورسل ، ثم خفف كرسل ؛ وذلك أن الأسود إذا أراد أن ينهش ارتفع ثم انصب على الملدوغ ، ويروى " صي " على وزن حبلى "
وفي "الصحيحين " عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له الفتن فقال له : فما تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك ؟ قال : " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " قال : فإن لم يكن جماعة ولا إمام ؟ قال : " فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " (13 ) .
وقد اعتزل جماعة من أصحابه في الفتن في البوادي .
وقال الإمام أحمد : إذا كانت الفتنة فلا بأس أن يعتزل الرجل حيث شاء ، فأما إذا لم يكن فتنة فالأمصار خير .
فأما سكنى البوادي على وجه العبادة وطلب السياحة والعزلة فمنهي عنه ، كما في الترمذي و " صحيح الحاكم " ، عن أبي هريرة قال : مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعب فيه عيينه من ماء عذب فأعجبه طيبه وحسنه فقال : لو اعتزلت الناس وأقمت في هذا الشعب ولا أفعل حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأمره فقال : " لا تفعل ؛ فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في أهله ستين عاما " ( 14) .
=========================
( 7 ) ( 4 / 446 ، 464) .
( 8 ) الحاكم ( 2 / 93) .
( 9 ) في " علله " ، ( 4 / ق2 – ب 3 – أ ) .
( 10 ) رسمها في " ف " بدون نقط ولعلها هكذا ، وفي " مسند أبي يعلي " ( 3 / 138 ) : " المسجدين " .
( 11 ) ( كشف : ( 1358) مختصرا وليس فيه محل الشاهد ، وفي إسناده محمد بن سليمان بن مسمول ، قال فيه أبو حاتم : " ليس بالقوي ضعيف الحديث كان الحميدي يتكلم فيه " الجرح " ( 7/ 267) وقد أخرجه مطولا بمحل الشاهد : أبو يعلى ( 3 / 137) بنفس الإسناد ، وأخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 7542) وفيه سليمان الشاذكوني ، قال ابن معين في رواية ابن الجنيد : " يكذب ويضع الحديث " أ . هـ .
( 12 ) أحمد ( 3 / 477 ) ، وابن حبان ( الإحسان : 13 / 287) .
(13 ) ( فتح : 7084) ، ومسلم ( 1847) .
(14 ) . الترمذي ( 1650) ، والحاكم ( 2 / 68) ، وقال الترمذي : " حديث حسن "